خطبة الجمعة - تناحر المسلمين في الغرب

7 ديسمبر 2023 بواسطة
Event Manager

عباد الله:


لا زلنا نتحدث عن مشاكل المسلمين في الغرب وكيفية مواجهتها..


ودعونا اليوم نؤكد أن جميعنا يدرك بعض الفوارق الإيجابية بين أوطاننا الأصلية وأوروبا التي نعيش فيها حالياً، والتي رغم إيجابيتها إلا أن الكثيرين يصرون على التعامل فيها بسلبية اعتادوها سابقاً.. فالأب في بيته ديكتاتور عصره وأوانه، لا يسمح أن يظن أحدٌ أنه بشرٌ قد يخطئ كغيره من البشر.. وبعض الأطباء العرب، يُمعنون في الإساءة إلى العرب من مرضاهم، في حين يعاملون غير العرب كالأسياد المبجلين، نعم هذا ممن يتوجب عليهم أن يكونوا ملائكة، لكنهم يصرون على ما استقر بداخلهم من شيطنة لكل عربي، ما عدا شخصه الوحيد.. حتى وصل الأمر إلى المساجد نفسها، فأصبحت سمعة إدارات المساجد الأوربية سيئةً للغاية، لا تكاد ترى مسجداً واحداً خالياً من المشاحنات والبغائض وربما المقالب في أسوأ صورها، بل إن السرقات وخيانة الأمانة لم تبتعد كلياً عن بعض القائمين على المساجد.. نعم هذا في مساجدنا، فما بالك بغيرها.


وليس هذا بغريبٍ على الكثيرين من القائمين عليها، فهم من جنس مجتمعاتنا وليسوا بملائكة، بل إن أفضل من في المجتمع عادةً ما يزهد في إدارة المساجد في أغلب الأحوال.


وأذكر أنني في بداية شبابي ذهبت مع أحدهم إلى أحد مشايخ الصوفية، في مسجدٍ كبيرٍ بمدينةٍ مصريةٍ، مسجدٍ يرتاده رجال الأعمال وأغناهم، ثم جلسنا مع الشيخ الشاب الذي سمعت له خطبةً رنانةً، وإذا به في المجلس يأمر بفتح صندوق التبرعات ليشتري الخادم للحاضرين.... أيس كريم!!


ثم علمت بعد ذلك أن التبرعات عادةً ما يذهب جزء منها لمثل هؤلاء، وقد استمرؤوا واستحلوا مال الله الذي كان ينبغي أن يستثمر كاملاً في صالح المسلمين، وليس أن تكون لحصة العاملين عليها نصيب الأسد، بعكس ما يهدف الشرع له من أن يأخذوا مجرد حد الكفاية الذي يكفل فقط الإنفاق على واجبات قيامهم بهذه المهمة، وليس لتنعيمهم بالأيس كريم وغيره، وما خفي كان أعظم.


وكي نكون من المنصفين، فعلينا أن نقول أنه يوجد من إدارات المساجد أيضاً أناسٌ أقرب إلى الملائكة، في مقابل من ذكرنا ممن استحلوا مال الله وأموال المساجد.. فكما أن هناك السيء هناك أيضاً الرائعون الذين ينفقون من أموالهم الكثير.. وأذكر هنا أن أحد المساجد التي أعرفها في هذه البلاد التي نعيش فيها قد بدأ أصلاً بقصةٍ ملفتةٍ للنظر، فقد أتاح رجلٍ نصف بيته الكبير لصلاة الجمعة، بل لم يكتفِ بذلك، حيث أمر بطعامٍ وشرابٍ لإكرام وفادة القادمين لأداء الصلاة.. ثم مرت الأيام، واستطاع المصلون اختيار بعضهم لجمع التبرعات واستئجار مساحةٍ كبيرةٍ للمسجد الجديد الذي صار معلماً هاماً للمدينة.. وبعدها وجدوا رسالةً من صاحب البيت الذي بدأت فيه صلاة الجمعة، والذين تركوه ولم يعرضوا عليه إدارة المسجد الجديد هذا، فجاءتهم الرسالة بأن المسجد قد تلقى تبرعاً مالياً ضخماً، وعرفوا أنه من ذاك الرجل الخير.. فسألوه، ولمَ كل هذا المبلغ؟ فأجابهم بأنه حين جهز نصف بيته للصلاة، كان قد وهبها للمسلمين فيما بينه وبين ربه، وحينما قرر المسلمون استئجار مسجدٍ بعيدٍ عنه، فأعاد شراء نصف الفيلا فيما بينه وبين نفسه، وقدر قيمتها المالية، وها هو يهبها للمسجد مرةً أخرى في صورة أموالٍ سائلة...!


إن أمثال هذا الرجل، في طهارته ورقيه، لتمحو بقوةٍ آثار صغار القوم ممن يتناحرون في إدارات المساجد.


نريد أن نبحث عن مثل هذا الرجل فيما بيننا، ليتحدوا أخيراً من أجل المسلمين، وينحوا جانباً مَن يجتهد في تلميع شخصه حتى لو كان بالتواطؤ مع غيره ضد مصلحة المسلمين.


لقد فهم الحكام الديكتاتوريون شخصية هؤلاء الشراذم من المتواطئين الراغبين في تلميع شخصياتهم على حساب مصلحة المسلمين، فاستمالوهم إليهم بإلقاء بعض فتات الدنيا لهم، حتى صاروا خداماً.. وللمال عباداً.. فأصبحوا يخدمونهم ومستعدين للافتاء بكل شيء حتى بقتل الأبرياء من المسلمين بدمٍ باردٍ..!!


ونحن هنا نريد ألا تصل عدوى هؤلاء المنتفعين إلى مساجدنا في الغرب، وأن نعمل على تنقيتها من الشوائب التي علقت بها من أمثال هؤلاء، وفي ذات الوقت علينا أن نعمل بجدٍ من أجل تقوية وتحسين أوضاع المسلمين في هذه البلاد، لا أن ننشغل فقط بعمليات التطهير والتنقية هذه.


لنقم بدعوة الأتقياء إلى التكاتف، فلا يكفي أن يقوموا بمجهوداتهم المخلصة منفردين.. كي نصل لمصلحة المسلمين بشكلٍ أسرع وأكبر.


يجب ألا نتشبه في عمل الخير بالدراويش، الذين يكتفون فقط بعمل الخير، ولا يفكرون للوصول لأفضل النتائج بنفس مقدار الخير الذي تبرعوا به.


أكتفي بهذا القول، وأقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإنما قوة السيف بضاربه.

ـــــــــــــــــــــــ

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم


أما بعد..


إخوتي الكرام..


حديثنا في الخطبة الثانية عن ضعف قوتنا الاقتصادية في الغرب إلى درجة أنه لا أحد يعمل للمسلمين حساباً إلا ما ندر..


لننظر بتدبر إلى حجم القوة الاقتصادية للمسلمين في الغرب، وحجم القوة الاقتصادية لليهود في نفس البلاد.. سترى وبوضوح قوة اليهود، رغم قلة مصادرها، وسيغيب عن الساحة أي ذكرٍ للمسلمين رغم قوتهم الكبيرة نسبياً.


نحن نفتقر حتى إلى مجرد تعدادٍ لقوة المسلمين، لأننا لا نعرف منهم إلا القليل.. أنا على يقينٍ بأنني لو دعوتك إلى مدينتنا هذه وذكرت لك بعض المباني الشاهقة المملوكة للمسلمين، لربما تفاجأت بها.. فماذا لو عددت لك بعضاَ من شركاتهم وأنشطتهم؟!


إنك لو سألت أحداً عن النشاط الاقتصادي للمسلمين في مدينتنا لأخبرك أنه لا يتعدى بعض محلات الشاورما وجزارة اللحوم الحلال.. لكنك لو قمت فعلاً بحصر كامل الأنشطة، لوجدت كماً هائلاً، لكنه يتيه بلا ثمة تجمعٍ فاعلٍ في المجتمع.


إن اليهود وغيرهم يتفننون في تكوين اللوبي الخاص بهم في كل مكان وزمان، بل في كل محفلٍ ونشاطٍ، رغم أنهم لا يحبون بعضهم البعض، كل ذلك بالرغم من أن عددهم صغيرٌ للغاية ، حتى أننا نلمس تأثيرهم الكبير للغاية في المجتمعات الأوربية وفي عمليات اتخاذ القرارات لدى جميع السياسيين تقريباً..


أما نحن المسلمون، والذي يتجاوز عددنا خمس أهل الأرض جميعاً، فنحن ضعافٌ، ونعامل معاملة الأقليات المهمشة حتى في بلادنا نفسها..!


نرى أن هذا يرجع إلى عدة عوامل، نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:-


أولاً: ضعف ترابطنا فيما بيننا.


أما ثانياً فهو أننا أشداء على أنفسنا، رحماء على الغير.. بمعنى أنه لو أخطأ فيك عربيٌ لهاجمته ولقنته درساً قد يجعله يتمنى أن لو لم يولد ابتداءً.. أما لو هاجمك أوربي وصفعك على خدك الأيمن فستدر له خدك الأيسر.. لكن وبدون مبالغة، نحن نستحيي أن نطالب بحقوقنا عند الغير، وأكثر ما قد نفعله هو ابداء استياءنا فيما بيننا وليس لدى الآخرين الذين صدرت منهم الإساءة ضدنا أو أغفلوا حقوقنا على الأقل.


إننا نادراً ما نفعل ذلك، ولذلك سيستمرون في إهانتنا وإهانة أفراد عائلاتنا، فلا شكوى ولا عقاب ينتظر من يعتدي عليهم، طالما سكتنا.


وثالث الأسباب هو أننا لا نثق في بعضنا البعض، ونفضل ألا نتشارك في شيء لأننا اعتدنا ألا نكون منصفين في مثل هذه المشاركات، فقد علمونا في بلادنا أن شريعة الغاب هي من تسود، وأن الإنصاف سمة الضعاف.. وفي المقابل نجد هنا في الجامعات يعملون على إيصال مفهوم المشاركة للطلاب وهم في مهد حياتهم العملية في الجامعات، فلو أنك أحسنت تماماً الجزء الخاص بك في المشروع المشترك، وافتقرت لروح المشاركة، لربما يعدك أستاذك راسباً، لأن روح وتعلم المشاركة عنده أهم من المشروع في حد ذاته، لأن هذا هو ما ستأخذه معك في حياتك العملية خارج الجامعة.


ثم دعني أخي الكريم ألفت نظرك إلى مثالٍ حير الكثيرين.. انظر إلى الإخوة السوريين، فقد نجحوا بامتيازٍ في بلادٍ صعبة للغاية مثل مصر، حتى صار أهل مصر يتباهون بأنهم يقدمون منتجاتٍ في جودة منتجات السوريين..!! ثم انظر لنفس السوريين هنا في ألمانيا، وهي الدولة المنظمة التي تدعمهم بالمال وغير المال، فستجد أكثرهم قد فشل في مشروعاته، لماذا؟ إننا نبخل عليهم بخبرات من سبقوهم إلى هذه البلاد.. أليس هذا صحيحاً؟؟


إننا نصر على أن تبادل الخبرات هو من صميم صور التعاون بين المسلمين..


وفي الختام نذكركم بتطبيق حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي نصحنا فيه بالقوة قائلاً: المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.


اعملوا على تقوية أولادكم فكرياً وبدنياً، اعملوا على تقوية نسائكم وتشجيعهن على الدفاع عن أنفسهن تجاه المعتدين، اعملوا على تقوية أنفسكم وأعمالكم التجارية ببعضها، تكاتفوا تعاضدوا، وكونوا عبادا الله إخواناً، لا فرقاء متشاكسين.


وأخيراً.. تذكروا أيضاً وصف رسولنا الكريم لكم، حين قال ﷺ: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

.. ..

ألا فصلوا وسلموا على البشير النذير، واتقوا الله عباد الله، وإني داعٍ فأمنوا:


اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وقنا واصرف اللهم عنا برحمتك شر ما قضيت..


اللهم يا واصل المنقطعين أوصلنا إليك، اللهم حبب إلينا طاعتك، وكل ما قرب إليها من قولٍ وعمل، وكره إلينا معصيتك، وكل ما قرب إليها من قولٍ وعمل.


اللهم اجعل أفضل أعمالنا خواتيمها، واجعل أسعد أيامنا يوم أن نلقاك يا ذا الجلال والإكرام.


اللهم كن لإخواننا المظلومين، وارفق بهم وهَوّن عليهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.


اللهم عجل للحق بنصرك المبين، وثبتنا عليه بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.


وآخر دعوانا أنِ الحمد لك يا رب العالمين.


قراءة التالي
القدوة