من يربح ومن يخسر أبناءنا؟

7 ديسمبر 2023 بواسطة
Event Manager

عباد الله:


قال الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).


حديثٌ سمعناه كثيراً، لكنَّ وَعينَا له ولنتيجتِه أقلُ من المطلوب بمراحل..


وقبل أن نتحدث عن حقيقة ما يعنيه هذا الحديث الشريف، أحب أن أوضح أن رسولنا الكريم لا يقول الأحاديث ليؤلف كتباً في البلاغة مثلاً، بل يقولها ليحمينا من شيطانٍ يسري منا مسرى الدم من العروق.. وللأسف فإننا ننسى كثيراً هذه النصائح الثمينة والدرر الغالية، ثم نفاجأ لاحقاً أن ما نعاني منه هو بسبب أننا سمعنا نصيحة رسولنا صلى الله عليه وسلم لكننا وضعنا الطين والعجين بينها وبين آذاننا، لنصم أنفسنا بأنفسنا عن الحق الذي تفوه به صلوات الله وسلامه عليه، وكأنه كان يقولها لغيرنا ولا يقصدنا بأحاديثه.


وبالعودة إلى حديث اليوم، نجد أنه يمس جوهر حياتنا في هذه البلاد، فصديقك هو عنوانك، ولو قلتَ لي من هم أقرب أصدقاء ابنك، لعرفتُ مستواه الخلقي وتوجهه دون أن أعرفه هو نفسه، فعلى الأغلب سيكون على دين خليله كما أوضح لنا محمد بن عبد الله، أفضل صلاةٍ وسلامٍ عليك يا حبيبي يا رسول الله.


وهنا غالباً ما تقع الكارثة التي نخشاها جميعاً.. وهي أنك أقل إقناعاً لابنك من صديقه المقرب والمحبب إلى نفسه يقيناً،.. ودعني أخي الكريم أضرب لك مثالاً، لترى كيف يقنع الخليل خليله:


فلو أهدى أحدهم ابنك قطعة حشيشٍ مثلاً في جلسةٍ يقودهما فيها الشيطان في غرفةٍ بمنزلك، وقبل أن يرفضها ابنك المسكين، أخبره صديقه المقرب بأن الحكومة الألمانية الجديدة قد أقرت مسودة قانونٍ يسمح ببيع الحشيش علناً ودون تجريم، وأنه بناءً على ذلك فالحشيش غير مضرٍ ولا ضير أو حرمةً قانونيةً فيه، لأنه لو كان ضاراً لما سمحت به الحكومات الغربية المتعددة وليست الألمانية فقط، أليس كذلك؟


ثم إنه أقل ضرراً بكل تأكيدٍ من السجائر، وهو فوق كل ذلك لا يتسبب في العنف الذي يخالط شارب الخمر في كثيرٍ من الأحيان، بل يحول المرء إلى كتلةٍ من السعادة والسرور والارتقاء فوق مفردات الحياة، والنظر إلى كل ما فيها من الناحية المتفائلة..!!


فهل تتوقع أن يقتنع ابنك بمثل ما قاله صديقه له هنا؟


وهل تتوقع أنك تستطيع إقناعه بغير ذلك بعد ما سمعه من صديقه من منطق يبدو واقعياً؟


ثم إن صديقه محببٌ إليه، يلعب معه، ويخرج للتنزه معه، في حين أنك ربما تكون من يثقل عليه بالطلبات في البيت وقد تتشاجر معه لتقصيره في أمرٍ ما، وفوق كل ذلك فأنت من جيلٍ مختلفٍ لا يعرف كيف يتعامل مع جيل ابنٍ في هذه السن.. ففرصة من فيكما أكبر لدى هذا الابن المسكين؟ أيكون الصديق اللطيف أكثر إقناعاً؟ أم الأب قليل المعرفة والمنطق، كثير المطالب والنزاعات؟


ثم إنه على الأغلب ليس صديقاً واحداً، بل ربما مجموعةً من الأصدقاء، كلهم يتكلمون نفس لغة المنطق الغريب عنك، وقد تكبر الكارثة فتكون بينهم صديقة أكثر لطفاً، تفعل به ما لم تفعل الساحرة الشريرة بضحاياها، لكن في صورةٍ مختلفةٍ وعصريةٍ.


الغريب هنا أنك أيها الأب المغيب لا زلت تنتظر من ابنك أن يكون كما كنت تحلم أنت أن يكون؟!


هيهات.. لقد ابتعدت عنه فابتعد عنك، وهو قد ينتظر أن يفارقك في أقرب فرصة، ربما إلى غير رجعةٍ، لو لم ترجع أنت وتغير من مذهبك وطريقتك معه بسرعة.


أنت هنا في معركة ضروس، طرفاها اثنان.. عقيدةٌ سليمةٌ، لكنها كما السلاح القوي يحمله جنديٌ ضعيف الإمكانات هزيل الفكر، في مقابل منطقٍ ملتوٍ لكن بريقَه لامعٌ، يجيد صياغته وحبكته مجموعةٌ كبيرةٌ جداً من الجنود المنتشرة في كل زاويةٍ تحاصر ابنك المسكين.


وبالرغم أنك تعلم أن سلاحك فتاكٌ، وأنك قادرٌ على تحقيق النصر إذا ما أحسنت استخدامه، إلا أنك تصر على قلة التدريب عليه، بل وترفض أن تستعين بإخوانك في هذه المعركة.


هذا هو حالك وواقعك، فصحيحٌ أنك مسلمٌ وتمتلك عقيدةً قادرةً على سحق كل هراءٍ فيما عداها، لكنك لا تعرف كيف تستخدم سلاحك وتدافع عنها.. ثم ها أنت ترفض استدراك ما فاتك من العلم عن تفاصيلها وقوة حجتها، بل ولربما استجبت للشيطان الذي زين لك البعد عن أقرانك من المسلمين، فصرت تحاصر نفسك بنفسك، وتتجهز كفريسةٍ للذئب الذي لا يأكل من الشياه إلا القاصية المنفردة.. وليتك انفردت وحدَك، بل سهلت للشيطان فريسته، عندما جردت ابنك من كل أساسٍ عقائديٍ سليم، فلا أنت علمته، ولا أنت تركته يتعلم على يد من يستطيع إفادتَه.. بل حتى حرمته من أن يصادق ويخالل الطيبين الطاهرين، بحجة أنك تفضل الانعزال عن بني جلدتك، إذ زين لك الشيطان البعدَ عنهم كلياً، فهجرتَ الشرير والطيب منهم على السواء، مع أنك تعلم أن كلَ الشعوبِ فيها الصالح والطالح، لكنك قد شربت المقلب الذي صوره لك الشيطان دون أن تدري ما حاكه لك ولابنك، واستجبت له بكل سطحيةٍ مقيتة، فتركت الكل وأصبحت فريسةً سهلةً..!


إخوتي الكرام..


إن من مميزاتنا أننا نتحدث جميعاً اللغة العربية، وديننا فوق ذلك واحدٌ، أي أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا.. وإني لأظن الضابطين سايكس وبيكو لا يزالان يضحكان في قبريهما على ما فعلا بنا نحن العرب، فقد جلسا مع بعضهما ورسما حدوداً لأقاليمٍ، كانوا دولةً واحدةً، فقسموها دولاً عديدةً وجعلوا بينها ما يدعو للتناحر والسخرية.. فبين العراق والكويت جعلوا منطقة تنازع، وبين الكويت والسعودية كذلك، ثم بين السعودية والأردن.. وهكذا حتى نصل لدولة الإمارات التي تحتضن قطعة أرضٍ من عمان، محاطة بالإمارات من كل ناحية، لكنها على الرغم من ذلك عمانية..!! والله يا إخوة حقَّ أن يضحكوا علينا.. فما يجمعنا كبير، وما يفرقنا صغير.. لكننا نجد رغم ذلك الكويتي يستهزئ بالعراقي، والعراقي يريد غزو الكويتي.. فلماذا؟


الإجابة ببساطة لأننا نسينا ما يجمعنا، وصرنا نهتم أكثر بما يفرقنا.. فهل لنا من فواقٍ؟


ولكي لا نتفرع كثيراً عن موضوعنا الذي يدور حول أبنائنا وموقعهم منا ومن المجتمع الذي نعيش فيه، نلخص القول بأننا لا ندرك أن أبناءنا لا يقبلون حجةً ضعيفةً من صاحب فكرٍ ضعيفٍ، فعلينا نحن الآباء أن نتسلح بالفكر القويم، وأن نقويه ونقوي معلوماتنا عنه، وإن لم نستطع فعلى الأقل نخالط الأقوياء منا كي نستفيد منهم ونعرف كيف نواجه الانحرافات الفكرية التي تحيط بنا.. فقصة الحشيش التي أوردناها كمثالٍ ربما صعب على البعض الرد عليه، ستجد أن السجائر أو أنواع الدخان المختلفة مسموحٌ بها، رغم أنهم أجبروا المعلنين عنها أن يضعوا صور المصابين بالسرطان بسببها على كل عبوة..!! فلماذا تبيحونها وأنتم تعلمون أنها ضارة؟


وكذلك الخمر.. هم متيقنون أيضاً أنها ضارةٌ، لكنهم يبيحونها ثم ينهون عنها..!


فهم كما يقول المثل المصري: لا أحبك، لكني لا أستطيع مفارقتك..!!


إذاً.. فكونهم يبيحون الحشيش الآن لا يعني أبداً أنه غير ضارٍ.. بل هو كذلك، وجميع العقلاء يقولون ذلك، ومَن يقول بخلاف ذلك إنما يريد أن يضلك يا ولدي، فأعمل عقلك، ولا تكن منقاداً لغيرك كالحمار -أعزك الله- حين يغطون عينيه ليسيرَ كيفما يريدون منه فقط.


هكذا يجب أن ننبه أبناءنا، وأن نستعد لكل موضوعٍ نريد أن نناقشه معهم،.. نعم اقرأ، تعرف على حججهم وعلى الرد عليها، قبل أن تدخل معركةً أنت أولُ مَن يعلم أنك ستخسرها، لو لم تسعد لها...!!


نسأل الله أن يعنا على أنفسنا وعلى تربية أبنائنا، اللهم أعنَّا ولا تُعِنْ علينا، اللهم لا تَكِلْنا إلى أعمالنا ولا إلى أنفسنا طرفة عين، يا أرحم الراحمين.


أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإنما قوة السيف بضاربه.

============

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم


أما بعد..


عباد الله:


تحدثنا في الخطبة الأولى عن واقعٍ يعيشه أبناؤنا، وننفصل عنه نحن.. وغاية ما يفعل البعض أن يشتكي من تسلط الحكومة المحلية عليه، وهو أول من تسلط على نفسه وأولاده فحرم نفسه الفهم والفكر، وظن أنه ببعض من علو الصوت سيخاف الولد ويرتدع، غير مدركٍ أن هذه كما يقولون كانت موضة وانتهت، ولا علاقة لها مطلقاً بالإسلام الذي نلصق به ما ليس منه.. فحاشا لله أن يكون الإسلام هو التسلط والتجبر.. ولو رجعنا إلى صدر الإسلام لوجدنا أن الإسلام إنما انتشر بالحجة والمنطق، لا بالإجبار ولا بالخرافات.. فقد كان صلى الله عليه وسلم يحاجج قومه بالعقل والفكر، ولم يرفع سيفه عليهم إلا بعد أن اقتضى الحال والضرورة ذلك، حينما أرادوا أن يحاربوا الفكر الإسلامي بالسيف، فما كان من المسلمين -بعد أن قويت شوكتهم- إلا أن صدوا اعتداء المشركين وغيرهم.


بل إن الإسلام دخل دولاً بأكملها لمئات الملايين بدون أن يروا منه سيفاً مطلقاً.. وما كانت حروبنا لإجبار أحدٍ على الإسلام، بل كانت لإتاحة الفرصة لهم للتعرف على الإسلام، ومن يقبل يسلم، ومن لا يقبل يدفع ضريبة الدفاع بأرواحنا عنه.. فالإسلام الذي ينتشر بالسيف لا قيمة له عند الله.. وأذكر أننا قد عرضنا فيلماً للأطفال ذات مرةٍ عن سمرقند، وكيف دخل الإسلام إليها، وأن أهلها اشتكوا إجبارهم على الإسلام أو الحرب لقاضي المسلمين في عاصمة الخلافة، فأمر القاضي الجيش أن يخرج منها بعد أن كان يحكمها كلياً، وبالفعل خرج الجيش وانتشر الإسلام أكثر وأكثر، لمّا رأى أهلها عدالته وسماحته.


نعود إلى صلب حديثنا وأسألكم أيها الإخوة.. مَن منكم سوف يقبل حضور ندوةٍ نتحدث فيها مثلاً عن الرد على الشبهات والأباطيل الفكرية التي يرمون بها الإسلام، والتي ربما يؤيدهم فيها بعض أبناء المسلمين أيضاً؟


إننا حين نتكلم في مثل هذه الأمور نشعر وكأننا نخاطب أناساً لا وجود لهم في هذا المجتمع، وكأنهم حقاً لا يدركون حاجتهم للقدرة على الرد على هذه الشبهات، وحين يسألهم أبناؤهم عنها يصمتون صمت القبور..! أو يصيحون صيحات حربٍ مع أبنائهم وكأنهم فوجئوا بهذه الأباطيل، رغم أنهم يسمعونها كل يومٍ تقريباً بشكلٍ أو بآخر، ويظنون أن أبناءهم بعيدون عنها، والحقيقة في بيوتهم خلاف ذلك تماماً، لكنهم آخر من يعلم، لأنهم آخر من يستجيب ويتحرك.


أخي الكريم.. المهندس لا يجلس في بيته وينتظر أن تخرج السيارة التي يصنعها جيدةً من تلقاء نفسها، وأنت أيضاً لا يجب أن تنتظر أن يكون أبناؤك جيدون من تلقاء أنفسهم، فلابد أن يعمل المهندس وتعمل أنت لنرى نتيجةً حسنةً لهذا العمل، فمن لا مجهود لا ننتظر شيئاً، ومن يقل غير ذلك فهو مغيبٌ ويستحق أن يفقد أولاده.


كلنا أملٌ أن نسمع طلباتكم عن جلساتٍ وندواتٍ وحواراتٍ تناقش مشاكل أبنائنا والشبهات التي تواجههم كل يومٍ.. وحينها لن نقصر إن شاء الله معكم في تحمل هذه المسئولية.


نسأل الله أن يعيننا وإياكم على مهامنا مع أبنائنا، وأن يهدينا وإياهم سبيل الرشاد..


قراءة التالي
المشاكل الزوجية