من نتبع؟

7 ديسمبر 2023 بواسطة
Event Manager

عباد الله: 


نتناول اليوم موضوعاً شائكاً، وهو عن التيارات الإسلامية وأهميتها وعن تبعيتنا.. لكننا نؤكد في بداية حديثنا أن الله قد أمرنا في سورة النحل بأن نحسن الحوار في دعوتنا لغير المسلمين قائلاً: (ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ  وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ).


فإذا كان هذا هو واجبنا مع غير المسلمين، فما بالنا بأسلوب الحوار مع المسلمين؟ أنفجر في الخصومة لأننا نختلف معهم في الرأي؟


أم نكون كالمنافقين، أشداء على إخواننا رحماء على غيرهم؟!


لكن هذا لا يمنعنا بطبيعة الحال من النقد الموضوعي، والذي نراه هاماً للغاية، إذا أردنا مصلحة المسلمين حقيقةً.


إخوتي الكرام.. من المضحك المبكي أن نرى على الساحة الإسلامية تياراتٍ تتسابق في استمالة جمهور المسلمين تجاهها، كلٌ منهم يزعم لنفسه أنه على الصواب، لكنهم في نظرنا لا يقدِّرون الأمر حق تقديره.. 


فمن قال بأن المسلمين في حالهم اليوم يحتاجون إلى قيادةٍ موحدةٍ في صورة جماعةٍ معينةٍ؟ ألا ترون أن حال المسلمين اليوم هو كما وصفه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بأننا كثير، لكننا كغثاء السيل؟ لا قيمة لنا..


نعم، إذا كنا ثلاثة علينا أن نؤمر أحدنا، امتثالاً لحديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.. لكن هذا لا يعني مطلقاً وجوب الانضمام تحت لواء جماعةٍ بعينها كما نسمع كثيراً من مثقفي المسلمين اليوم، وإلا لكان من حق الصحابة رضوان الله عليهم أن يؤسسوا جماعةً للأنصار، وأخرى للمهاجرين وغيرهم. وما رأينا الضرر يحيق بالمسلمين إلا بعد تحزبهم وانقسامهم.


نعم، المسلمون في غير جماعة أحسن حالاً من جماعاتٍ متناحرةٍ، تدعي كلٌ منها لنفسها الصواب، وقد تكفر إحداها الأخرى.. بل إن جماعةً ضالةً تماماً تقاتل المسلمين حالياً، وتمعن في قتلهم بالحرق تارةً وبالتعذيب تارةً أخرى، وفي نفس الوقت تترك من يقذف المسلمين بالقنابل والصواريخ يكمل مهمته سالماً آمناً أثناء قتله لإخوانهم.. إنه العمى وليس مجرد العوار الفكري.. إنه السواد قد طمس على قلوبهم فأعمى البصر والبصيرة..!


وفي أوروبا نجد أن الوضع لا يختلف كثيراً، ففي ألمانيا مثلاً توجد أربعة اتحاداتٌ مختلفةٌ، كلٌ منها يدعي تمثيل المسلمين رغم أن غالبية المسلمين لا يعرفونها جميعاً ابتداءً..!


وعلى هذا النهج تسير أيضاً غالبية مساجدنا، ففيها إداراتٌ متنازعةٌ، لدرجة أنني سمعت أن أحد رؤساء مسجدٍ شهيرٍ في مدينتنا يقول بأنه يريد أن ينجز المهمة الفلانية، ليس لله، لكن استعداداً منه لانتخابات الرئاسة القادمة، بعد سنةٍ كاملةٍ يا إخوة..! ألهذا الحد أنستنا المناصب والرئاسات المزعومة صالح المسلمين؟!

أولادنا على شفا الإلحاد وأسرنا في أشد المعاناة وأنت تهتم بمنصبٍ لا يجذب حتى اهتمام الأطفال؟!


إن كثيراً، لا بل غالبية إدارات مساجدنا في أوروبا يتنازعها أناسٌ ظنوا أنه ليس عليهم سوى تنظيم جمع التبرعات وإقامة الصلوات وفقط..!! رغم أننا لا زلنا نعقد عليهم الأمل أن يتقدموا ويكونوا أوعى وأعقل من قادتنا في الدول العربية الذين اتفقوا على ألا يتفقوا..!!


لقد وصفنا في أكثر من موقف حال المسلمين في الغرب حالياً بأنه كحالهم في صدر الإسلام في كثيرٍ من النواحي، وبينا أنهم أبعد ما يكونون بحاجةِ إلى ثمة تياراتٍ يتبعونها، أو جماعةٍ ينتمون إليها.


ولنكون منصفين، علينا ألا نصدِّر لكم رأياً دونما توضيحٍ لأسبابه، هكذا علمنا الإسلام، فلا ديكتاتورية ولا فرض للرأي.. وهنا تحديداً تبدأ المشكلة.. فرض الرأي، وقد بحثنا -فيما نعرف- في التوجهات والجماعات الإسلامية فوجدناها تعاني مرض الديكتاتورية أشد من الأحزاب العفنة في بلادنا.. انظر مثلاً إلى ما يسمونها أكبر جماعة في العالم الإسلامي، والذين كثر أتباعهم إلى درجة جعلتهم يتخيلون أنهم أهلٌ لقيادة المسلمين في مرحلة الربيع العربي كما يسمونه، فكانوا للأسف هم الطامة الكبرى للعرب فيه، لأنهم أداروا الأمر كإدارتهم لمدارسهم، غير واعين ولا مدركين لما حولهم.


ثم لندقق يا إخوة في هيكليتهم قليلاً.. إنكم ترون فيهم كبار السن، الطاعنين فيه، هم الأكثر رغبةً وتمسكاً بالقيادة، فلا نعلم قائداً عاماً لهم تنازل عن القيادة للجيل الأصغر طواعيةً إلا واحداً فقط كان يعيش بيننا هنا في ألمانيا من قبل، فكان يتمتع بفكرٍ ديموقراطيٍ صحيحٍ.. لكن الباقين أمسكوا ويمسكون بتلابيب السلطة في جماعتهم إلى أبد الآبدين، نعم.. حتى خروج الروح من أجسادهم، ولو استطاعوا أن يحكموا إخوانهم بعد صعود الروح إلى بارئها لما ترددوا في فعل ذلك..!!


وقد عجبت شخصياً لهم، حين أصروا على إملاء فقرةٍ في الدستور قبل أن يحكموا، كانت تتعلق بألا يزيد حكم الرئيس بعد الربيع العربي عن فترتين رئاسيتين، فضحكت حينها كثيراً، وتساءلت: كيف يصرون على هذه الفقرة الجميلة، وهم أول أناسٍ لا ينفذونها في هيكلهم الداخلي؟! إنهم يقدسون كبار السن كما قدس أجدادهم الفرعون، ويخلطون بين احترام الكبير سناً وبين إمكاناته الحقيقية واستحقاقه للقيادة، فكلما طعن الرجل في السن، كلما كان ذلك أحد أهم أسباب تأكيد بقائه الأبدي في القيادة.


على الصعيد الآخر نجد أن هذه الجماعة -رغم ما فيها من قاماتٍ وأساتذةٍ جامعيين كبار- لا تدرك في كثيرٍ من الأحوال حقيقة الموقف من حولها، وتتصور أن إدارة الدولة أشبه ما تكون بإدارةٍ أسرةٍ من أسرهم في الأحياء لا أكثر.. لكن يبقى الأسوأ في الأمر أنهم يصمون آذانهم عن سماع النصح من غيرهم، وكأنهم الوحيدون أصحاب الفكر، أو لربما استأثروا لأنفسهم بالوكالة الحصرية للحق في الدولة..!!


صحيحٌ أنهم شرفاء وليسوا بلصوصٍ، لكنهم أيضاً ليسوا بالواعين بالمعطيات الآنية.. ألا ترون أنهم قد أخفقوا وبكل جدارةٍ في تقديرهم لدخول الانتخابات وتصدرهم للمشهد غير المهيأ أساساً وهم لا يملكون المقومات الضرورية الضامنة له؟


وختاماً لقصتهم المؤلمة.. نراهم الآن يتنازعون القيادة فيما بينهم.. هذا يصدر بياناتٍ ضد ذاك، وذاك يدعي لنفسه الزعامة ويفصل خصمه من الجماعة، وهم في مشهدٍ لا يختلف كثيراً عن حال إدارات المساجد الأوربية المؤلم جداً.

.. ..

إخوتي الكرام.. إننا إن تتبعنا جميع الجماعات لوجدنا فيها مآسٍ كثيرةً، وإذا كان هذا هو حال أكثرها انتشاراً، فما بالنا بحركةٍ أخرى خليجية، تحالفت مع ساسة منطقتها في توجههم إلى الشرق كليةً، ثم إلى النقيض تماماً حالياً؟.. إنهم يصدرون الفتاوى حسب أهواء الحاكم، ثم يأتي مفتيهم ليحكم علينا بأن الحياة في أوروبا حرامٌ كما يدعي، معللاً ذلك بعدم الأمن على النفس والدين.. وقد نسيَ أنه هو نفسه لا يأمن على نفسه ودينه من الحاكم الذي يتملقه بفتواه، وها هم اليوم كالخرسى لا نسمع لهم صوتاً، ولا نرى لهم حراكاً، بعد أن كانوا يتحكمون حتى في ملبس النساء ويضربونهن بالعصي في الأسواق، على اعتبار أنهم وكلاء الفضيلة في البلاد.. واليوم لا نراهم إلا في جحورهم يختبئون رغم المجون الذي كانوا يمعنون في القسوة على الناس بسببه، فقد كانوا لا يطبقون إلا القليل من آية الدعوة التي أوردناها في صدر الخطبة، وهي التي أمر الله فيها نبيه -ونحن معه- بالإحسان قائلاً:


(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)..


إننا نرفض يا إخوة رفضاً كلياً أن نكون تابعين لإحدى هذه الجماعات، ونرفض أصلاً أن يكون لدينا جماعاتٍ، بل نؤكد إضافةً لذلك وبكل وضوحٍ أننا نرفض الإبقاء على أي اتحادات أو جمعيات، في حال ثبت أنها لا زالت تتلقى أي دعمٍ خارجيٍ ولو سنتاً واحداً.. ذلك أن أي دعمٍ من أي دولةٍ إنما يكون مشروطاً، وله دوافعه التي لا تراعي مصلحة المسلمين العامة.. فقط نرحب بالتمويل الذاتي أو التمويل المستمد من الضرائب، شريطة ألا يكون مشروطاً إلا باحترام الدستور والقانون لا أكثر ولا أقل.. نرفض تماماً أن يمليَ موظفٌ حكوميٌ علينا رأيه فيما يجب أن نفعل وما لا يجب، فالمحاكم هي فقط التي تقرر مدى احترامنا للدستور والقانون، ولا وصاية غير ذلك.


نسأل الله أن يلهمنا الصواب، وأن يثبتنا على الحق، وأن يمنعنا من ادعاء احتكاره، فاللهم فأعنا على أنفسنا كي نستيقظ لمكر أعدائنا، أعنَّا ولا تُعِنْ علينا، اللهم لا تَكِلْنا إلى أعمالنا ولا إلى أنفسنا طرفة عين، يا أرحم الراحمين.


أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإنما قوة السيف بضاربه.


الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم

أما بعد.. 


عباد الله:


تحدثنا في الخطبة الأولى سريعاً عن الجماعات الإسلامية ولمن يجب أن تكون التبعية، ووصلنا في النهاية إلى أنه لا جماعةً تستحق، ولا حالٌ يقتضي أساساً وجود جماعةٍ، ورفضنا بكل وضوحٍ الاتحادات والجمعيات التي تتلقى أي دعمٍ خارجيٍ، حكومياَ كان أو غير حكوميٍ.


وفي الخطبة الثانية نود تناول موضوعٍ يتصل بقرينه في الخطبة الأولى، ألا وهو من يمثل المسلمين في ألمانيا؟ 


الحق أن هذا الأمر يبدو في ظاهره شائكاً، لكن حله سهلٌ للغاية، وقبل أن نتحدث عن الحل يجب أن نوضح أن نشأة هذه الاتحادات كانت لأسبابٍ مختلفةٍ، منها ما يتصل بجماعاتٍ ومنها ما يتصل بحكوماتٍ وغير ذلك، لذا فإن أسباب نشأتها في نظرنا هي أسباب رفضنا لها أساساً.


فكيف يكون الحل الأمثل من وجهة نظرنا الضيقة؟


الحل هو الديموقراطية المحضة، بمعنى أن ننتخب من يمثل المسلمين، تماماً كما ننتخب من يمثلنا في البرلمان والهيئات السياسية.. وأي حلولٍ غير ذلك ستضطرنا إلى موائماتٍ لا نرغب بوجودها بيننا.


إذا أردنا أن نحترم دستور البلاد، فعلينا أن نتوافق معه، وإنما يكون ذلك بانتخاب مجلس المسلمين، وبالإشراف على هذه الانتخابات من الجميع تماماً كما نفعل ويفعل غيرنا في الانتخابات العامة.. أما أن يتفق البعض فيما بينهم على افتتاح مكتبٍ وتسميته بالاتحاد الفلاني، وجذب بعض المساجد له، فهذا غير مقبول ولا نقبل لهذه الاتحادات أن تدعيَ تمثيلنا.


وقد يقول قائلٌ بأن هذا حقٌ أريد به باطل، أو ربما يكون متواضعاً بعض الشيء فيقول بأن المرشحين لتمثيل المسلمين لن يتمكنوا من توصيل رؤيتهم لسواد المسلمين في ألمانيا كي يمكنهم أن يختاروا من يمثلهم عن بصيرة.


وهنا نرد بأنه يجب أن تتيح الجهة المنظمة للانتخابات لجميع المرشحين أن يعلنوا رؤيتهم عبر قنواتها أو قنوات وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت عموماً، ويمكن هنا استنساخ النظام الانتخابي المحلي، دون أن نعقد الأمور أو ندعها تطول بنا حتى نتفق على ألا نتفق ثانيةً كما يفعل ساستنا.. بل سنقبل لانتخاب مجلس المسلمين هذا نفس ما نقبله لانتخاب المسئولين السياسيين في الدولة.


فهل هذا الحل أفضل؟ أم نظل متفرقين بين اتحاداتٍ متنازعةٍ على مشهد الصدارة رغم أن أغلبنا لم يسمع حتى عن مجرد اسمها؟


إن انتخاب مثل هذا المجلس سيقضي على أمال أي جماعةٍ أو اتحادٍ يرغب في الزعامة، وسيؤدي بنا إلى ما أدى البرلمان الاتحادي بالدولة إليه.

دعونا نمارس الديموقراطية الحقة فيما بيننا، ثم نكتفي بكوننا إخوةٌ في الإسلام بعد ذلك، دونما عداواتٍ أو نزاعاتٍ، ونقبل بالرأي الآخر عن طيب خاطرٍ لو فاز، تماماً كما نفعل في حياتنا اليومية.


لا أعتقد يا إخوة أن هذا يضير أحداً منا، وليكن هدفنا هو رفض جميع الأجندات الخارجية.


ولا يجب أن نخشى هنا إرهاب الإعلام الذي بدأ يتحدث عن تكوين المسلمين لمجتمعٍ موازٍ في الدولة، فإنما نحن جزءٌ لا يتجزأ منها، ويسري علينا ما يسري على نصرانيها ويهودها، فإذا كان للنصارى ولليهود الحق في انتخاب من يمثلهم، وأن يعيشوا دينهم بكل حريةٍ دونما اعتداءِ على حرية الآخرين، فنحن لا نريد الاختلاف عنهم، كما لا نريد أن يتم تحريم أمرٍ علينا هو مباح لهم.


ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير، واتقوا الله عباد الله، وإني داعٍ فأمنوا:


اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وقنا واصرف اللهم عنا برحمتك شر ما قضيت.. 


اللهم يا واصل المنقطعين أوصلنا إليك، اللهم حبب إلينا طاعتك، وكل ما قرب إليها من قولٍ وعمل، وكره إلينا معصيتك، وكل ما قرب إليها من قولٍ وعمل.


اللهم اجعل أفضل أعمالنا خواتيمها، واجعل أسعد أيامنا يوم أن نلقاك يا ذا الجلال والإكرام.


اللهم كن لإخواننا المظلومين، وارفق بهم وهَوّن عليهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.


اللهم عجل للحق بنصرك المبين، وثبتنا عليه بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.


وآخر دعوانا أنِ الحمد لك يا رب العالمين.


قراءة التالي
الاكتئاب